كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {فقاتلوا أَوْلِيَاء الشيطان} [النساء: 76] الآية.
وقد وبخهم تعالى على اتخاذهم الشيطان وذريته أولياء من دونه تعالى في قوله: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50].
وقد أمر جل وعلا باتباع هذا القرآن العظيم، ناهيًا عن اتباع الأولياء المتخذين من دونه تعالى، في أول سورة الأعراف في قوله تعالى: {اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].
وقد علمت من الآيات المذكورة أن أولياء الكفار الذين اتخذوهم وعبدوهم من دون الله نوعان:
الأول منهما: الشياطين، ومعنى عبادتهم للشيطان طاعتهم له فيما يزين لهم، من الكفر والمعاصي، فشركهم به شرك طاعة، والآيات الدالة على عبادتهم للشياطين بالمعنى المذكور كثيرة كقوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بني آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان} [يس: 60] الآية.
وقوله تعالى عن إبراهيم {يا أبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان} [مريم: 44] الآية.
وقوله تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا} [النساء: 117] أي وما يعبدون إلا شيطانًا مريدا.
وقوله تعالى: {قالواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} [سبأ: 41] وقوله تعالى: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100] وقوله تعالى: {وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] إلى غير ذلك من الآيات.
والنوع الثاني: هو الأوثان، كما بين ذلك تعالى بقوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقربُونَآ إِلَى الله زلفى} [الزمر: 3] الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {الله حَفِيظٌ عَلَيْهِم}.
أي رقيب عليهم حافظ عليهم كل ما يعملونه من الكفر والمعاصي، وفي أوله اتخاذهم الأولياء، يعبدونهم من دون الله.
وفي الآية تهديد عظيم لكل مشرك.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ}.
أي لست يا محمد، بموكل عليهم تهدي من شئت هدايته منهم، بل إنما أنت نذير فحسب، وقد بلغت ونصحت.
والوكيل عليهم هو الله الذي يهدي من يشاء منهم ويضل من يشاء كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ والله على كُلِّ شَيْء وَكِيل} [هود: 12]. وقال تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس حتى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله وَيَجْعَلُ الرجس عَلَى الذين لاَ يَعْقِلُونَ} [يونس: 99100] وقال تعالى: {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأرض أَوْ سُلَّمًا فِي السماء فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين} [الأنعام: 35] والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق في قوله تعالى: {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ}، وما جرى مجراه من الآيات ليس منسوخًا بآية السيف والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قرآنًا عَرَبِيًّا}.
وقد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الشعراء في الكلام على قوله تعالى: {لِتَكُونَ مِنَ المنذرين بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 194195]، وفي الزمر في الكلام على قوله تعالى: {قرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: 28] وفي غير ذلك من المواضع.
قوله تعالى: {لِّتُنذِرَ أُمَّ القرى وَمَنْ حَوْلَهَا}.
خص الله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة إنذاره، صلى الله عليه وسلم بأم القرى ومن حولها، والمراد بأم القرى مكة حرسها الله.
ولكنه أوضح في آيات أخر أن إنذاره عام لجميع الثقلين كقوله تعالى: {قُلْ يا أيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] وقوله تعالى: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ} [سبأ: 28] الآية. كما أوضحنا ذلك مرارًا في هذا الكتاب المبارك.
وقد ذكرنا الجواب عن تخصيص أم القرى ومن حولها هنا وفي سورة الأنعام في قوله تعالى: {وَلِتُنذِرَ أُمَّ القرى وَمَنْ حَوْلَهَا والذين يُؤْمِنُونَ بالآخرة يُؤْمِنُونَ بِهِ} [الأنعام: 92] الآية، في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، فقلنا فيه: والجواب من وجهين.
الأول: أن المراد بقوله: {وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام: 92] شامل لجميع الأرض، كما رواه ابن جرير وغيره، عن ابن عباس.
الوجه الثاني: أنا لو سلمنا تسليمًا جدليًا، أن قوله: {وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام: 92] لا يتناول إلا القريب من مكة المكرمة حرسها الله، كجزيرة العرب مثلًا، فإن الآيات الأخر، نصت على العموم كقوله: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] وذكر بعض أفراد العام بحكم العام، لا يخصصه عند عامة العلماء، ولم يخالف فيه إلا أبو ثور.
وقد قدمنا ذلك واضحًا بأدلته في سورة المائدة، فالآية على هذا القول كقوله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} [الشعراء: 214] فإنه لا يدل على عدم إنذار غيرهم، كما هو واضح. والعلم عند الله تعالى اهـ منه.
قوله تعالى: {وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع لاَ رَيْبَ فِيه}.
تضمنت هذه الآية الكريمة أمرين:
أحدهما: أن من حكم إيحائه تعالى، إلى نبينا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العربي، إنذار يوم الجمع، فقوله تعالى: {وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع} معطوف على قوله: {لِّتُنذِرَ أُمَّ القرى} أي لا بد أن تنذر أم القرى وأن تنذر يوم الجمع فحذف في الأول، أحد المفعولين وحذف في الثاني أحدهما، فكان ما أثبت في كل منهما، دليلًا على ما حذف في الثاني، ففي الأول حذف المفعول الثاني، والتقدير {لتنذر أم القرى} أي أهل مكة ومن حولها، عذابًا شديدًا إن لم يؤمنوا، وفي الثاني حذف المفعول الأول، أي وتنذر الناس يوم الجمع وهو يوم القيامة أي تخوفهم مما فيه من الأهوال، والأوجال ليستعدوا لذلك في دار الدنيا.
والثاني: أن يوم الجمع المذكور لا ريب فيه، أي لا شك في وقوعه، وهذان الأمران اللذان تضمنتهما هذه الآية الكريمة، جاءا موضحين في آيات أخر.
أما تخويفه الناس يوم القيامة، فقد ذكر في مواضع من كتاب الله كقوله تعالى: {واتقوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله} [البقرة: 281] الآية.
وقوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة} [غافر: 18] الآية.
وقوله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الولدان شِيبًا السماء مُنفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 1718]: وقوله تعالى: {أَلا يَظُنُّ أولئك أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبِّ العالمين} [المطففين: 46] والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وأما الثاني منهما: وهو كون يوم القيامة لا ريب فيه فقد جاء في مواضع أخركقوله تعالى: {الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ} [النساء: 87] وقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: 25] وقوله تعالى: {وَأَنَّ الساعة آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا} [الحج: 7] الآية.
وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله حَقٌّ والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا الساعة} [الجاثية: 32] الاية. إلى غير ذلك من الآيات.
وإنما سمي يوم القيامة يوم الجمع، لأن الله يجمع فيه جميع الخلائق. والآيات الموضحة لهذا المعنى، كثيرة كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الواقعة: 4950] وقوله تعالى: {يَوْمُ الفصل جَمَعْنَاكُمْ والأولين} [المرسلات: 38].
وقوله تعالى: {الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة} [النساء: 87] الآية.
وقوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع ذَلِكَ يَوْمُ التغابن} [التغابن: 9] وقوله تعالى: {ذلك لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخرة ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} [هود: 103] وقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 25] وقوله تعالى: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47].
وقد بين تعالى شمول ذلك الجمع لجميع الدواب والطير في قوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْء ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38]، والآيات الدالة على الجمع المذكورة كثيرة.
قوله تعالى: {فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير}.
ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الله خلق الخلق، وجعل منهم فريقًا سعداء، وهم أهل الجنة، وفريقًا أشقياء وهم أصحاب السعير، جاء موضحًا في آيات أخر كقوله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} [التغابن: 2] وقوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ولذلك خَلَقَهُمْ} [هود: 118119] أي ولذلك الاختلاف، إلى المؤمن وكافر وشقي وسعيد، خلقهم على الصحيح، ونصوص الوحي الدالة على ذلك كثيرة جدًّا.
وقد ذكرنا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، وجه الجمع بين قوله: {ولذلك خَلَقَهُمْ} على التفسير المذكور، وبين قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وسنذكر ذلك إن شاء الله في سورة الذاريات.
وقد قدمنا معنى السعير بشواهده العربية في أول سورة الحج في الكلام على قوله تعالى: {وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير} [الحج: 4]، والجنة في لغة العرب البستان.
ومنه قوله زهير بن أبي سلمى:
كأن عيني في غربي مقتلة ** من النواضح تسقي جنة سحقا

فقوله: جنة سحقا، يعني بستانًا طويل النخل، وفي اصطلاح الشرع هي دار الكرامة التي أعد الله لأوليائه يوم القيامة.
والفريق: الطائفة من الناس، ويجوز تعدده إلى أكثر من اثنين، ومنه قول نصيب:
فقال فريق القوم لا، وفريقهم ** نعم وفريق قال ويحك ما ندري

والمسوغ للابتداء بالنكرة في قوله: فريق في الجنة، أنه في معرض التفصيل.
ونظيره من كلام العرب قول امرئ القيس:
فلما دنوت تسديتها ** فثوب نسيت وثوب أجر

قوله تعالى: {وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَيْء فَحُكْمُهُ إِلَى الله}.
ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن ما اختلف فيه الناس من الأحكام فحكمه إلى الله وحده، لا إلى غيره، جاء موضحًا في آيات كثيرة.
فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته قال في حكمه {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26]، وفي قراءة ابن عامر من السبعة {ولا تشرك في حكمه أحدًا} بصيغة النهي.
وقال في الإشراك به في عبادته: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا} [الكهف: 110]، فالأمران سواء كما ترى إيضاحه إن شاء الله.
وبذلك تعلم أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه، كفر بواح لا نزاع فيه.
وقد دل القرآن في آيات كثيرة، على أنه لا حكم لغير الله، وأن اتباع تشريع غيره كفر به، فمن الآيات الدالة على أن الحكم لله وحده قوله تعالى: {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ} [يوسف: 40]، وقوله تعالى: {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} [يوسف: 67] الآية.
وقوله تعالى: {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ الحق وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين} [الأنعام: 57] وقوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزل الله فأولئك هُمُ الكافرون} [المائدة: 44]، وقوله تعالى: {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26]، وقوله تعالى: {كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الحكم وَإليه تُرْجَعُونَ} [القصص: 88]، وقوله تعالى: {لَهُ الحمد فِي الأولى والآخرة وَلَهُ الحكم وَإليه تُرْجَعُونَ} [القصص: 70] والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وقد قدمنا إيضاحها في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى: {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26].
وأما الآيات الدالة على أن اتباع تشريع غير الله المذكور كفر فهي كثيرة جدًّا، كقوله تعالى: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100]، وقوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، وقوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بني آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان} [يس: 60] الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًّا، كما تقدم إيضاحه في الكهف.
مسألة:
اعلم أن الله جل وعلا بين في آياته كثيرة، صفات من يستحق أن يكون الحكم له، فعلى كل عاقل أن يتأمل الصفات المذكورة، التي سنوضحها الآن إن شاء الله، ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية، فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التشريع.
سبحان الله وتعالى عن ذلك.
فإن كانت تنطبق عليهم ولن تكون، فليتبع تشريعهم.
وإن ظهر يقينًا أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك، فليقف بهم عند حدهم، ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبية.
سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته، أو حكمه أو ملكه.
فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع قوله هنا: {وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَيْء فَحُكْمُهُ إِلَى الله}، ثم قال مبينًا صفات من له الحكم {وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَيْء فَحُكْمُهُ إِلَى الله ذَلِكُمُ الله رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإليه أُنِيبُ فَاطِرُ السماوات والأرض جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأنعام أَزْواجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السميع البصير لَهُ مَقاليدُ السماوات والأرض يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ} [الشورى: 10- 12].
فهل في الكفرة الفجرة المشرعين للنظم الشيطانية، من يستحق أن يوصف بأنه الرب الذي تفوض إليه الأمور، ويتوكل عليه، وأنه فاطر السماوات والأرض أي خالقهما ومخترعهما، على غير مثال سابق، وأنه هو الذي خلق للبشر أزواجًا، وخلق لهم أزواج الأنعام الثمانية المذكورة في قوله تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضأن اثنين} [الأنعام: 143] الآية، وأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السميع البصير} وأنه {لَهُ مَقاليدُ السماوات والأرض}، وأنه هو الذي {يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِر} أي يضيقه على من يشاء وهو {بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ}.